قصيدة وصية لاجئ للشاعر هاشم الرفاعي

أنا يا بُنيَّ غدا سيطويني الغسق ... لم يبق من ظل الحياة سوى رمق ... وحطام قلب عاش مشبوبَ القلق
قد أشرق المصباح يومـا واحتـرق ... جفَّـت بـه آمالـه حتـى اختنـق

فإذا نفضت غبار قبري عـن يدك ... ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فاذكر وصية والد تحت التراب ... سلبوه آمال الكهولة والشباب

مأساتنا مأساة ناس أبرياء ... وحكاية يغلـي بأسطرهـا الشقاء ... حملت إلى الآفـاق رائحـة الدماء
و جريمتي كانت محاولة البقاء ... أنا ما اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء

لكـن لـثأر نبعه دام هـنا ... بين الضلوع جعلتـه كل المنى
وصبغت أحلامي به فوق الهضاب ... وظمئت عمري ثم مت بلا شراب

كانت لنا دار وكـان لنا وطن ... ألقت بـه أيـدي الخيانـة للمحن ... وبذلـت فـي إنقاذه أغلـى ثمن
بيدي دفنت أخاك فيه بلا كفن ... إلا الدماء ومـا ألـم بـي الوهن

إن كنت يوما قـد سكبت الأدمعا ... فلأننـي حمِّلـت فقدهـما معا
جرحان في جنبي ثكل واغتراب ... ولد أُضِيع وبلـدة رهن العذاب

تلك الربوع هناك قد عرفتك طفلا ... يجني السنا والزهر حين يجوب حقلا ... فاضت عليك رياضها ماء وظلا
واليوم قد دهمت لك الأحداث أهلا ... ومروجك الخضراء تحني الهام ذلا

هم أخرجوك فعد إلى من أخرجوك ... فهناك أرض كان يزرعها أبوك
قد ذقت من أثمارها الشهدَ المذاب ... فـإلامَ تتركهـا لألسنة الحراب

حيفا تئن أما سمعـت أنيـن حيفا ... وشممت عن بعد شذى الليمون صيفا ... تبكي إذا لمحت وراء الأفْـق طيفا
سألته عن يوم الخلاص متى وكيفا ... هي لا تريدك أن تعيش العمر ضيفا

فوراءك الأرض التي غذت صباك ... وتود يوما فـي شبابك أن تراك
لم تنسها إياك أهـوال المصاب ... ترنو ولكن مـلء نظرتها عتاب

إن جئتها يوما وفي يـدك السلاح ... وطلعت بين ربوعها مثل الصباح ... فاهتف سلي سمع الروابي والبطاح
أنِّي أنا الأمس الذي ضمََدَ الجراح ... لبيك يا وطني العزيـز المستباح

أولستَ تذكرني أنـا ذاك الغلام ... من أحرقوا مأواه في جنح الظلام
بلهيب نار حولها رقص الذئاب ... لفَّت صباه بالدخان وبالضباب

سيحدثونك يـا بُنـيَّ عـن السلام ... إياك أن تصغي إلـى هـذا الكلام ... كالطفل يخدع بالمنى حتـى ينام
لا سِلمَ أو يجلو عن الوجه الرغام ... صدقتهـم يومـا فآوتنـي الخيام

وغدا طعامي من نوال المحسنين ... يلقى إلي .. إلى الجياع اللاجئين
فسلامهـم مكر وأمنهـمُ سراب ... نشر الدمار على بلادك والخراب

لا تبكينَّ فما بكـت عيـن الجناة ... هي قصة الطغيان من فجر الحياة ... فارجع إلى بلد كنوز أبـي حصاه
قد كنت أرجو أن أموت على ثراه ... أمل ذوى ما كان لـي أمل سـواه

فإذا نفضت غبار قبري عـن يـدك ... ومضيت تلتمس الطريق إلى غـدك
فاذكر وصية والد تحـت التراب ... سلبـوه آمـال الكهولة والشباب

تعليقات